قصة النبي هود عليه السلام وعاد
قال الله تعالى : « والى عاد اخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره افلا تتقون » (1).
من هو هود :
النبي هود عليه السلام فهو من قوم عاد ، وثاني الانبياء (2) الذين انتهضوا للدفاع عن الحق ودحض الوثنية ، وقد تحمل الاذى والمحن في سبيل الله سبحانه ، وقاسى انواع العذاب ، واثنى عليه الله عزوجل فذكره في كتابه الكريم واثنى عليه وعلى رسله الكرام.
وهود بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح ، وقيل : هود بن عبد الله بن رباح بن جلوث (3) بن عاد بن عوض بن ارم بن سام بن نوح. (4)
قوم عاد
قوم عاد هم قوم هود عليه السلام حيث قال تعالى : « والى عاد اخاهم هودا »
1 ـ الاعراف : 65.
2 ـ الاول كان نوح عليه السلام.
3 ـ في الكامل : ابن الجلود.
4 ـ البحار : ج 11 ص 345.
(74)
كان اخاهم في النسب لكونه منهم ، وافراد القبيلة يسمون اخوة لانتسابهم جميعا الى اب القبيلة ، مثلما نقول : اخا اسد.
وان عادا كانت بلادهم في البادية من الشقوق (1) الى الاجفر اربعة منازل ، وكان لهم زرع ونخل كثير ، ولهم اعمار طويلة واجسام طويلة ، وكانوا جبارين واهل اوثان يعبدونها ، واوثانهم الثلاثة يقال لاحدها ـ ضرا ـ وللآخر خمور ، وللثالث الهباء.
بعث الله اليهم النبي هود عليه السلام يدعوهم الى الاسلام وخلع الانداد فابوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه ، فدعا عليهم فامسكت السماء عنهم المطر سبع سنين وقيل : ثلاث سنين حتى قحطوا ، وقال لهم هود عليه السلام : « ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم مدرارا » (2) فابوا الا تماديا.
فاما عاد ، كان من الجبابرة ، فهو : عاد بن عوض بن ارم بن سام بن نوح ، وهو عاد الاول ، وكانت مساكنهم مابين الشحر وعُمان وحضرموت بالاحقاف ، فكانوا جبارين ، حيث قال الله تعالى : « واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة » (3).
وكانت مدينة عاد او جنة عاد ، فيها البساتين النظرة والاشجار المثمرة ، والقصور المشيدة بالاعمدة والاوتدة ، وكانت حصونا ومدائن ومصانع ومنازل وبساتين ، وكانت بلاد عاد اخصب بلاد العرب واكثرها انهارا وجنانا ، ولكنهم مع الاسف الشديد لم يشكروا الله على هذه النعمة التي انعمها عليهم بل عصوه
1 ـ الشقوق : هو منزل بطريق مكة ، وقيل كانت مساكنهم ما بين الشحر وعمان وحضرموت بالاحقاف » الكامل : ج 1 ص 79.
2 ـ هود : 52.
3 ـ الاعراف : 69.
(75)
وفسدوا في الارض وعبدوا الاوثان من دون الله ، ولم يمتثلوا ويطيعوا النبي هود عليه السلام الذي ارسله الله لهم ليهديهم من ضلالتهم فلم يهتدوا عند ذلك غضب الله عليهم.
فلما غضب الله عليهم سلط عليهم الريح العقيم ـ وانما سميت عقيم لانها تلقمت بالعذاب ، وعقمت عن الرحمة ـ وطحنت تلك القصور والحصون والمدائن والمصانع حتى عاد ذلك كله رملا ودقيقا تسفيه الرياح.
وكانت تلك الريح تدفع الرجال والنساء فتهب بهم صعدا ثم ترمي بهم في الجو فيقعون على رؤوسهم منكّسين ، واستمرت الريح تعصف عليهم سبع ليالي وثمانية ايام حسوما ، فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية ، وكانت الريح تقصف الجبال كما تقصف المساكن فتطحنها ثم تعود رملا دقيقا.
وكانت عاد ثلاثة عشر قبيلة.
وكانوا يسلخون العمد من الجبال فيجعلون طول العمد مثل طول الجبال الذي يسلخونه من اسفله الى اعلاه ، ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها ، ثم يبنون القصور عليها ، وعلى هذا سميت ـ ذات العماد ـ.
وانه لم يكن امة اكثر من قوم عاد ولا اشد منهم بطشا وفسادا ، فلما راوا الريح قد اقبلت عليهم قالوا لهود :
اتخوفنا بالريح ؟ فجمعوا ذراريهم واموالهم في شِعب من تلك الشعاب ، ثم قاموا على باب ذلك الشعب يردون الريح ويمنعونها عن اموالهم واهاليهم ، حسب اعتقادهم يتمكنون من منع الريح من دخول الشعب ـ فدخلت الريح من تحت ارجلهم بينهم وبين الارض حتى قلعتهم فهبت بهم صعدا ، ثم رفعتهم في الجو ، ثم رمت بهم الريح في البحر.
وسلط الله عليهم الذر فدخلت في مسامعهم ، وجاءهم من الذر مالا يطاق
(76)
قبل ان يأخذهم الريح.
امراة هود
كان هود عليه السلام زراعا وكان يسقي الزرع ، فجاء قوم الى بابه يريدونه ، فخرجت عليهم امرأته شمطاء عوراء.
فقالت من انتم ؟ فقالوا : نحن من بلاد كذا وكذا ، اجدبت بلادنا فجئنا الى هود نسأله ان يدعو الله لنا حتى تمطر وتخصب بلادنا.
فقالت : لو استجيب لهود لدعا لنفسه ، فقد احترق زرعه لقلة الماء ، قالوا : فأين هو ؟ قالت : هو في موضع كذا وكذا.
فجاؤوا اليه فقالوا : يا نبي الله قد اجدبت بلادنا ولم تمطر فأسأل الله ان تخصب بلادنا وتمطر ، فتهيا للصلاة وصلى ودعا لهم فقال لهم : ارجعوا فقد امطرتم فاخضبت بلادكم.
فقالوا : يا نبي الله انا رأينا عجبا ، قال : وما رايتم ؟
قالوا : رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء ، قالت لنا : من انتم ؟ ومن تريدون ؟ قلنا : جئنا الى نبي الله هود ليدعو الله لنا فنمطر ، فقالت :
لو كان داعيا لدعا لنفسه فان زرعه قد احترق.
فقال هود : ذاك ، وانا ادعو الله لها بطول البقاء.
فقالوا : كيف ذلك ؟ قال : لانه ما خلق الله مؤمنا الا وله عدو يؤذيه ، وهي عدوتي.
فلئن يكون عدوي فمن املكه ، خير من ان يكون عدوي