دار بابل للدراسات والاعلام
بغداد - أعلنت لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي الأحد أن السلطات القضائية أصدرت حكما غيابيا بالسجن 7 سنوات على وزير التجارة العراقي السابق عبد الفلاح السوداني لادانته بقضايا فساد مالي.
وينتمي السوداني الى حزب الدعوة الاسلامية الذي يرأسه رئيس الوزراء نوري المالكي، وقد سافر الى بريطانيا بعد ان اصدرت محكمة جنايات الرصافة ببغداد حكما ببراءته من التهم الموجهة إليه، غير ان لجنة النزاهة استأنفت الحكم لدى محكمة التمييز التي قررت اعادة محاكمته.
وقال رئيس لجنة النزاهة البرلمانية، بهاء الاعرجي في مؤتمر صحافي عقده بمبنى البرلمان الاحد إن"السلطات القضائية أصدرت حكما غيابيا بالسجن سبع سنوات بحق وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني بعد ادانته بقضايا فساد".
وكانت محكمة جنايات الرصافة اصدرت في 28 آب/اغسطس عام 2010، حكما ببراءة وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني من تهم الفساد التي وجهت إليه من قبل رئيس لجنة النزاهة النيابية صباح الساعدي، وهيئة النزاهة البرلمانية لعدم كفاية الأدلة .
وأعلنت هيئة النزاهة في الثاني من أيار/مايو من العام نفسه انها ستطعن بقرار محكمة جنايات الرصافة الذي برأ وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني.
وكانت الهيئة القضائية في محكمة التحقيق في محافظة المثنى أصدرت في السابع من حزيران/ يونيو من العام 2009، قرارا بالإفراج عن وزير التجارة عبد الفلاح السوداني بكفالة تبلغ 50 مليون دينارعراقي مع التوصية بمنعه من السفر لحين محاكمته مجدداً.
وتسلم السوداني الموجود حاليا خارج العراق، منصبه كوزير للتجارة في حزيران/ يونيو العام 2006 في اطار حكومة نوري المالكي الاولى، واستقال في العام نفسه بعد اعتقاله في مطار بغداد أثناء محاولته الهرب من البلاد، كما اعتقل شقيقا السوداني بسبب اتهامات بضلوعهم بقضايا فساد ايضا.
وقال اعضاء في لجنة النزاهة البرلمانية، ان رئيس الوزراء نوري المالكي اقصى هيئة النزاهة واستبعدها، منذ اقالة رئيسها السابق، واحتكر ملفات الفساد كي يستخدمها وقت شاء لمعاقبة خصومه السياسيين.
وابدى نواب في تصريحات صحفية استغرابهم من غموض عمل الهيئة التي لم يسجل لها نشاط رسمي منذ شهرين حسبما تشير بيانات الموقع الالكتروني التابع لها، بينما كانت اخبارها وبياناتها واحصاءاتها قبل ذلك، تملأ وسائل الاعلام.
لكن نائبا عن دولة القانون تحدث عن "جلسة استماع" استضافت خلالها لجنة النزاهة البرلمانية، الرئيس الحالي لهيئة النزاهة ونفى خلالها بوضوح وجود اي تدخل في عمله من قبل رئيس الحكومة.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا أصدرت قرارا منتصف كانون الثاني 2011، يقضي بربط الهيئات المستقلة برئاسة الوزراء مباشرة خلافا للمادة 100 من الدستور التي تنص على أن "المفوضية العليا لحقوق الإنسان والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النزاهة، هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم أعمالها بقانون".
وعلى خلفية ذلك قام المالكي بتعيين القاضي علاء الساعدي رئيسا لهيئة النزاهة بعد استقالة رحيم العكيلي في أيلول 2011 نتيجة ضغوط من أحزاب سياسية بهدف التستر على اختلاس أموال.
وفي هذا السياق ابدى صباح الساعدي، عضو لجنة النزاهة البرلمانية، استغرابه من "اختفاء عمل هيئة النزاهة خلال الـ3 اشهر المنصرمة"، معتقدا ان "سيطرة الحكومة على الهيئة المستقلة احد اهم الاسباب التي جعلت قضايا الفساد تختفي". واضاف النائب المستقل في حديث لـ"المدى" ان "من المعروف ان الهيئة المستقلة يجب ان تكون مستقلة، الا ان الحكومة حاولت ان تستحوذ على الهيئة وخصوصا هيئتي النزاهةوالرقابة المالية لكونهما الاهم بين الهيئات المستقلة".
وتابع "انتقدنا وبشدة قرار المحكمة الاتحادية بالحاق الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء كونه يعطي الشرعية باستمرار لخلق النظام الدكتاتوري من خلال الانحياز لصالح السلطة التنفيذية".ولفت الى ان "المالكي يسعى في هذه المرحلة تحديدا الى جمع القضايا المتعلقة بالفساد خصوصا المتعلقة منها بالوزارات التي يديرها خصومه".
وانتقد عضو النزاهة البرلمانية اداء هيئة النزاهة "كونها لم تستطع كشف اي ملف او التحقيق بأي قضية متعلقة بالفساد المالي والاداري في الاونة الاخيرة"، متحدثا عن "جهات مقربة من رئيس الحكومة هي التي تسيطر على الملفات داخل الهيئة".
واعتبر الساعدي بقاء رئاسة الهيئة بيد القاضي علاء الساعدي بالوكالة "دليل على سيطرة الجهات المتنفذة"، مؤكدا ان "تبديله سيكون بالطريقة التي استبدل فيها القاضي رحيم العكيلي عندما اراد كشف قضايا فساد لم يرق للمالكي كشفها فأطاح به بكل سهولة".
وعن موقف النزاهة البرلمانية ازاء عمل الهيئة الحالية، يقول الساعدي "نحن في لجنة النزاهة البرلمانية دائما ما نتصل ونتابع، الا ان هناك غموضا حول اجابات رئيسها، او الكشف عن القضايا العالقة" منوها الى ان "اكثر من 20 قضية فساد لم تحسم واغلبها متعلق بملفات فساد مالي بمبالغ طائلة".
من جانبه اكد احمد العلواني، العضو الاخر في لجنة النزاهة عن القائمة العراقية، ان "المالكي يمتلك الكثير من ملفات للضغط على خصومه كقضيتي الهاشمي والدليمي". مؤكدا ان رئيس الحكومة "يمتلك ملفات متعلقة بالفساد تدين خصومه الذين ينوون سحب الثقة وهذه سياسة غريبة".
وقال العلواني ان "الفوضى السياسية ساهمت وبشكل كبير غياب الدور الرقابي فيما يخص عمل هيئة النزاهة بالكشف عن المفسدين، والذين يقومون بتنفيذ مخططاتهم بقضايا فساد مالي كبير مستغلين الاحداث الراهنة في البلاد".
واشار النائب عن القائمة العراقية، الى ان "اللجان الدائمة والمؤقتة التي كلفت بالكشف عن قضايا فساد جميعها معطلة وغائبة بسبب الازمة السياسية، فضلا عن عطلة البرلمان وغياب الدور التشريعي والرقابي خصوصا من لجنة النزاهة". لكنه يؤكد ان لجنته "عازمة على التحقيق في جميع الملفات العالقة لدى استئناف عمل مجلس النواب".
من جهته يؤكد شاكر دشر، عضو لجنة النزاهة والنائب عن دولة القانون، "وجود الكثير من الملفات بحوزة رئيس الحكومة يمكن استخدامها ضد مسؤولين"، لكنه ينتقد ما يشاع عن استخدامها من قبل المالكي لابتزاز خصومه.
وأضاف دشر ان "هذه الشائعات لا اساس لها وهو ما اكده رئيس الهيئة الحالي القاضي علاء الساعدي لدى جلسة استماع في لجنة النزاهة حيث نفى تدخل رئيس الحكومة باي ملف او قضية متعلقة بالفساد".
وسبق وان قال رئيس هيئة النزاهة السابق القاضي رحيم العكيلي ان الوزراء العراقيين يفضلون التغطية على الفساد في وزارتهم على مكافحته، مؤكدا ان الفساد هو احد الابواب المهمة لتمويل الارهاب.
وقال العكيلي "اقول ان التنفيذيين (الوزراء) عموما غير جادين في مكافحة الفساد، واحيانا يعتقدون ان خير تعامل مع الفساد هو التغطية عليه".
واضاف ان "عيبهم الاخر، حينما يتسلمون مسؤولية تنفيذية يعتقدون انها ملك لعائلتهم، لذلك يمنعون الاخرين من الدخول اليها او مكافحة الفساد فيها وحتى يحاولون حماية الموظفين" الفاسدين.
وصنفت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي للعام 2010 العراق كرابع اكثر دولة فسادا في العالم.
وبحسب مسؤولين عراقيين فان قسما من الاموال المخصصة للخدمات العامة ينتهي به المطاف الى الجماعات الارهابية من خلال بعض موظفين العموميين.
وحول تصنيف العراق في قائمة أسوأ بلدان العالم من ناحية الفساد وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية، قال العكيلي الذي اقاله المالكي وعين مقربا منه "اتفق تماما مع ما تذهب اليه الشفافية الدولية، واحترم ما تصدره رغم انني لدي بعض الاعتراضات العلمية على مؤشر مدركات الفساد".
واوضح "اعتقد ان تقارير الشفافية الدولية حول العراق كانت مفيدة، وشكلت ضغطا كبيرا على الحكومة العراقية والجهات المعنية من اجل العمل ضد الفساد، لذلك كانت نتائجها ايجابية".
وردا على سؤال حول امكانية معالجة الفساد والوقت المطلوب لذلك، قال "لا يمكن ان نتحدث عن الوقت، نحتاج الى وقت طويل".
واضاف "نحتاج الى تبني منظومة من القوانيين التي تنص عليها اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، من اهمها حق الاطلاع على المعلومات، وقانون حماية الشهود والمخبرين، وقانون الشفافية في تمويل الاحزاب السياسية، وقانون الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية".
وتابع "اذا كنا جديين في العمل لاصدار تلك القوانيين نستطيع ان نكملها خلال السنوات الاربع القادمة"، مضيفا بلهجة تشاؤمية "لا اتوقع ان تنجز تلك القوانيين في السنوات الاربع القادمة في ظل هذا الصراع السياسي المركب في العراق".